كان الرشيد يحفظ القصيدة من مرة واحدة ..وعنده غلام يحفظ القصيدة من مرتين وجارية تحفظ القصيدة من ثلاث....
ومرة جاءه شاعر بقصيدته فلما انتهى منها...قالها الرشيد مرة ثانية عليه..فقال ذلك الشاعر في نفسه : توارد الافكار في بيت أو بيتين ...أما قصيدة كاملة؟
قال الرشيد : لا وهناك غيري أحضروا الغلام..أتعرف قصيدة فلان ؟ قال : نعم فيقولها ...قال: لا وهناك الجارية...ياجارية أتعرفين قصيدة فلان؟ فتقول :نعم وتقولها ....
فيشك في نفسه ذلك الشاعر ويقول أنا لست بشاعر ...
وهناك الشعراء في مكانهم يجتمعون...ومن أعماق الحزن يتشاكون فجاءهم الاصمعي قال: ما بالكم ؟
قالوا : نكتب القصيدة من بنيات أفكارنا ثم نكتشف أن ثلاثة قبلنا يحفظونها !
قال :أين ؟قالوا : عند أمير المؤمنين.قال : إن في الامر ومكر وحيلة...دعوا الأامر لي..
فقام ونظم قصيدة ملونة الموضوعات التقط فيها بعض الكلمات الصعبة...ثم تنكر ولبس لبس الاعراب.. عقص رأسه جدائل ثم أوقفها كالقرون ثم ربطها بعصابة ولبس جلد شاة وجر ناقته خلفه ودخل المجلس حافيا...
السلام عليكم ياأمير المؤمنين
وعليكم السلام.
أنا شاعر من أعراب الموصل
أتعرف الشروط ؟
نعم إن كانت من قولي أعطيتني وزنها ذهبا وإن كانت من منقولي لاتجيزني عليها شيئا..
قال نعم...هات ماعندك
فقال الاصمعي هذه القصيدة :
صوت صفير البلبل ***هيج قلبي الثمل
الماء والزهر معا *** مع زهر لحظ المقل
وانت ياسيد لي وسيدي وموللي
فكم فكم تيملي غزيل عقيقلي
قطفته من وجنةٍ ** من لثم ورد الخجل
فقال لا لا لا لا لا وقد غدا مهرول
( أراد الخليفة أن يحسب اللاءات فإذا بها أكثر من ثلاث )
والخوذ مالت طربا من فعل هذا الرجل
فولولت وولولت ولي ولي ياويللي
فقلت لاتولولي وبيني الؤلؤ لي
قالت له حين كذا : انهض وجد بالنقل
وفتية سقونني قهوة كالعسلل
شممتها بأنفي أزكى من القرنفل
في وسط بستان حلي بالزهر والسرور للي
والعود دندن دندنلي ..والطبل طب طب طبلي
طبطبطبطبطبطبطبطبلي
والسقس سقسقسقلي ..والرقص قد طاب لي
(الخليفة يريد أن يجمع مااستطاع)
شوا شوا وشاهشوا على ورق سفرجل
وغرد القمر يصيح ملل في ملل
ولو تراني راكبا على حمار أهزل
يمشي على ثلاثة كمشية العرنجل
والناس ترجم جملي في السوق بالقنقنلي
والكل كعكعكعيكع خلفي ومن حويللي
لكن مشيت هاربا الى لقاء ملك معظم مبجل
يأمرني بخلعة حمراء كالدمدملي
أجر فيها ماشيا مبغددا للذيل
انا الأديب الالمعي ..من حي أرض الموصل
نظمت قطعا زخرفت.. يعجز عنها الادبلي
أقول في مطلعها...صوت صفير البلبل
(حصر الخليفة ذاكرته فلم يجد الا طنطللي ....)
قال :ياغلام أحضروا الغلام...قال والله ياامير المؤمنين ماسمعتهاقط
قال :الجارية أحضروا الجارية...فقالت مثل الغلام...
فقال الامير : ياأعرابي أحضر ماكتبته عليه نزنه ونعطيك وزنه ذهبا..قال: ورثت عمود رخام من أبي نقشت عليه القصيدة نقشا وهوعلى ظهر الناقة لايحمله إلا اربعة جنود ...فانهار الخليفة...فجئ بالعمود والناس تنظر ووضع في الميزان فأخذ كل مافي الخزنة..فوضعه على خرج الناقة وانصرف.
فقال وزيره: أوقفه ياأمير المؤمنين والله ماأظنه إلا الأصمعي ....أمط اللثام عن وجهك ياأعرابي فأماط اللثام عن وجهه وإذا به الاصمعي...
فقال: أتفعل هذا مع أمير المؤمنين ؟
قال : نعم إنك بذاكرتك قطعت أرزاق الشعراء..قال : أعد الخزنة قال : لا لاأعيدها ..قال : أعدها قال :بشرط ..أن تعطيهم على قولهم أو منقولهم...فوافق الخليفة